إعلانات

"وإذا الموءودة سئلت.. بأي ذنب قتلت"!

سبت, 27/04/2024 - 02:39

 

"يتسلق الصوت المخنوق في القبور إلى فؤادك، وعبثا تقدر أن تصم أذنيك عن الماضي!" (شترستوك)

 

 

هكذا بكل صرامة؛ يعلن القرآن أول ميثاق في رفعة المرأة. إذ كانت في الجاهلية وفي غفلة من الإنسانية؛ تقرر أن تغيب المرأة، وأن تتساقط على الهامش، وأن تنتعل الموت حذاء قهريا.

كانت القبور تطوي مشاريع الحضارة فيها، وتسحب الربيع إلى مواسم الخريف، وكان قلما أميا ذاك الذي عنون الأنثى بأنها؛ عار الحياة، واختزل المرأة في جسد ورغبة، وكان لا بد أن يشرق زمن؛ لا يتوقف فيه المطر!

أيها السائر على أرض الجزيرة العربية، إياك أن تنسى أن ثمة الكثير من القبور المخفية هناك. ولربما يلتقط نعلاك في لحظة صمت، صوت أنين عميق اغتالته فحولة كاذبة!

حتى كأن الموءودة؛ تنفض عن ضفائرها تراب الليل وتتنفس، فقد بعث محمد ﷺ، وبعثت النساء معه إلى زمن تقف البشرية أمامه مشدوهة

يتسلق الصوت المخنوق في القبور إلى فؤادك، وعبثا تقدر أن تصم أذنيك عن الماضي! يتشبثون بقدميك، وتصبح خطوتك أثقل، حتى كأنك تتعثر بهم!

هل ينبعث العذاب المدفون فيك. تمهل! تحاول أن تنفضهم عن قدميك؛ لكنهم يسكنونك ويطلبون القصاص، عندها تلتحم مع الضعفاء المقبورين في الأرض، وتدرك لماذا بقيت الصحراء يومها، مجدبة. لماذا بقيت مجدبة، حتى نزلت سورة التكوير!

سورة التكوير، تدهشك وأنت تسمع فيها هلع النهاية، وصوت اندثار الوجود. تدهشك وهي توقف البشرية كي تسألها؛ عن حالة قتل منسية.

تأمل معي جيدا، هل تلمح في أجواء السورة شيئا؟ هل تلمح كيف {النجوم انكدرت} و{الشمس كورت}، وانطفأ الوجود قبل لحظة السؤال عن الموءودة؛ {بأي ذنب قتلت}!

هل تلمح علاقة بين تصوير القرآن لانهيار منظومة الكون، وبين السؤال عن وأد النساء؟ هل تلمح الغضب، إذ يعتدى على حياة من يصنعن الحياة؟ ثم هل تراك تلمح صلة بين {إذا الموءودة سئلت}، وبين {والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم}؟

حتى كأن الموءودة؛ تنفض عن ضفائرها تراب الليل وتتنفس، فقد بعث محمد ﷺ، وبعثت النساء معه إلى زمن تقف البشرية أمامه مشدوهة. من زمن {إذا الموءودة سئلت} إلى زمن {والصبح إذا تنفس}، يصبح للمرأة معان وأسماء من بعضها !

المرأة ست القضاة، والحرة الكاملة، وست الوزراء، وست الملوك، وسيدة نساء أهل الجنة!

سيدة أخرى تسمى (بنفيسة العلم)، تلقى الشافعي على يديها العلم، وكان إذا مرض أرسل لها غلامه يسألها الدعاء، بل وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته

زمن يسجل فيه أن امرأة نوديت بست العرب وهي (بنت محمد فخر الدين)، مسندة عالمة بفقه الحديث، مكثرة في أخذ العلم؛ فاستحقت هذا اللقب.

ونوديت أخرى بست القضاة، وكانت تلك (مريم بنت عبد الرحمن)، حافظة لكتاب الله، وموسوعة في الفقه والقضاء، تتلمذ تحت يديها العديد من قضاة دمشق.

وهذه (شهدة الإبري)، تسمى فخر النساء، ومسندة العراق، وانتهى إليها إسناد بغداد، ودرس على يديها علماء كبار؛ كابن الجوزية، وابن قدامة المقدسي.

وسيدة أخرى تسمى (بنفيسة العلم)، تلقى الشافعي على يديها العلم، وكان إذا مرض أرسل لها غلامه يسألها الدعاء، بل وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فلما مرت الجنازة من باب بيتها، قامت فصلت عليه.

لقد مر زمن كان فيه الجامع الأموي بدمشق، يشهد حلقات لبعض هذه العالمات المحدثات، يأتي إليها طلاب العلم. وذكر ذلك ابن بطوطة الذي سمع بنفسه، عن عدد من عالمات المسجد الأموي.

زمن كانت المرأة تصحح لزوجها وتلاميذه من طلبة العلم، ففاطمة بنت أحمد بن يحيى، كانت عالمة فاضلة متفقهة، تستنبط الأحكام الشرعية، وكان زوجها الإمام المطهر يرجع إليها فيما يصعب عليه من مسائل، وإذا ضايقه التلامذة في بحث، دخل إليها فتفيده الصواب، فيخرج بذلك إليهم فيقولون: ليس هذا منك، هو من خلف الحجاب.

حين تسير النساء مكبلة أقدامهن، يخلعن أدوراهن في منتصف الطريق، فمن المؤكد أن ثمة علامة على الطريق تشير إلى أننا في اتجاه الجاهلية الأولى

أما فاطمة بنت الإمام مالك بن أنس، فقد روي: أن مالك كان يقرأ عليه الموطأ فإن لحن القارئ في حرف، أو زاد، أو نقص تدق ابنته الباب فيقول أبوها للقارئ ارجع فالغلط معك، فيرجع القارئ فيجد الغلط.

وظلت النساء العالمات حتى القرن العاشر الهجري، يصادقن على صحة متن الحديث، وأسماؤهن في مخطوطات شهادات الإجازات التي تسلم لطلبتهن مع توقيع كل عالمة.

لقد قال جولدتسهير: إن خمسة عشر بالمائة من علماء الحديث، كن من النساء، ولقد أحصى المستشرقون، ثمانية ألاف عالمة في شتى العلوم، وكلما انهمرت مفاهيم القرآن في عالمنا، ينبت عمر النساء أعمارا، تصبح الحياة بهن سخية. وتسكب الحضارة النساء، أقمارا.

وحين تسير النساء مكبلة أقدامهن، يخلعن أدوراهن في منتصف الطريق، فمن المؤكد أن ثمة علامة على الطريق تشير إلى أننا في اتجاه الجاهلية الأولى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.