لا يتوقف الحديث على المستوى المحلي في الأردن حول ما يسميه مواطنون ونخب حزبية وسياسية بـ"جسر بري" للشاحنات المحملة بالبضائع، يمر بالأردن باتجاه إسرائيل، قادماً من الإمارات ودول أخرى، كبديل عن السفن الإسرائيلية والأجنبية التي فرضت جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن حظرا على مرورها عبر طريق مضيق باب المندب.
وتواردت الأنباء عن وجود الجسر البري، ابتداء من الإعلام العبري ثم عبر وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف، ثم أكدت جهات شعبية وجود هذا الجسر ونشرت صورا لشاحنات تمر فيه، وتزامن ذلك مع انتشار أنباء نقص الغذاء والتهديد بحصول مجاعة في شمال قطاع غزة.
رصد ميداني للجسر
وللتحقق من دقّة المعلومات وما يدور حول هذا "الجسر البري"، قامت الجزيرة نت بإعداد هذه المادة الصحفية الميدانية على عدة مراحل، امتدّت على مدى شهر من الرصد الميداني، عبر عدة جولات على الطريق الذي يجري الحديث أنه هو الذي تسلكه شاحنات الجسر البري، بداية من مركز حدود العمري على الحدود الأردنية السعودية وصولا إلى معبر الشيخ حسين على الحدود الغربية للأردن.
المرحلة الأولى: هل توجد شاحنات تمر عبر هذا الطريق؟
رصدت الجزيرة نت عبر التتبع الميداني للطريق المؤدي لمعبر الشيخ حسين، وعلى 3 مرات مختلفة بأيام متعددة، وجود شاحنات تمر باستمرار عبر هذا الطريق، يقدر عددها بنحو 6 شاحنات في الساعة الواحدة، خلال الفترة ما بين ساعات ما قبل الظهر إلى غروب الشمس، بنظام مجموعات أو فردي.
تحدثت الجزيرة نت مع أهالي المناطق التي يمر بها هذا الطريق، وهي مناطق كفر يوبا وجمحا والشونة الشمالية، وأكدوا أنهم لاحظوا زيادة في عدد الشاحنات التي تمر عبر هذا الطريق، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ورغم عدم رصد شاحنات تعبر هذا الطريق بعد الساعة الـ9 ليلا، فإن الجزيرة نت رصدت في إحدى الليالي نحو 15 شاحنة تعبر دفعة واحدة وتحمل لوحات تركية وأردنية، لكنها جاءت عبر طريق مختلف، ويعتقد أهالي المنطقة أنها محمّلة بالخضار وجاءت من جهة غور الصافي.
وبمراجعة صور الأقمار الصناعية لنهار يوم عشوائي على معبر الشيخ حسين على الحدود الأردنية الغربية، تُظهر الصور وجود ما يقرب من 48 شاحنة مصطفة على المعبر تنتظر دورها للمرور، دون معرفة مصدر هذه الشاحنات بالتفصيل على وجه الدقة، بينما رصدت الجزيرة نت مبيت بعض الشاحنات داخل مَرائب في منطقة الشونة الشمالية وعدم انتظارها أو مبيتها على المعبر.
صورة الأقمار الصناعية لمعبر الشيخ حسين يظهر فيها تجمع عشرات الشاحنات (الجزيرة)
وبالبحث عبر المصادر المفتوحة، حصلت الجزيرة نت على تقرير مسحي للتجارة والخدمات اللوجستية بين الجانبين الأردني والإسرائيلي، أعدته الوكالة اليابانية للتعاون الدولي وشركة باديكو، ويُظهر حجم التجارة عبر معبر الشيخ حسين في العامين 2016 و2017.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2016 عبرت 27 ألفا و752 شاحنة محمّلة، وفي عام 2017 عبرت 23 ألف شاحنة، وهو ما يعني أنه إذا تم احتساب الحد الأعلى لأيام العمل السنوي المقدرة ما بين 200 إلى 220 يوما، فيكون متوسط حجم المرور 115 شاحنة يوميا في الأعوام المذكورة.
المرحلة الثانية: ما نوعية ومصدر الشاحنات التي تمر؟
رصدت الجزيرة نت عبر أيّام مختلفة وعشوائية شاحنات تحمل لوحات متنوعة، تنوعت بين لوحات أردنية (النقل بالعبور) قادمة من الإمارات، ولوحات إماراتية تحمل شعار "دبي"، ولوحات تركية.
كما حاولت الجزيرة نت التواصل مع بعض السائقين خلال عملهم بيد أنهم رفضوا الحديث، لكن استطعنا التواصل مع سائق من الجنسية التركية؛ إذ أخبرنا أن شاحنته متجهة إلى معبر الشيخ حسين.
كما رصدت الجزيرة نت خلال جولاتها شاحنة متجهة إلى معبر الشيخ حسين تحمل حاويات عليها شعار شركة "زيم" وهي شركة شحن إسرائيلية مقرّها في حيفا، وقد تردد اسمها بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، بعد أن خسرت ما قيمته 2.7 مليار دولار خلال العام الماضي، بعد أن هوت إيراداتها بنسبة 58.9% بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة وهجمات جماعة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر.
المرحلة الثالثة: ما المسار الذي تسلكه الشاحنات؟
حصلت الجزيرة نت من خلال أحد السائقين -دون الكشف عن اسمه- على مسار تتبعي مباشر (Live location) للطريق البري الذي تسلكه الشاحنات القادمة من حدود العمري السعودية-الأردنية، حيث تصل الشاحنات إلى منطقة الأزرق، ومنها إلى مشارف محافظة الزرقاء حيث بلدة الهاشمية فجسر "خو"، ثم إلى محافظة المفرق مرورا ببلدة البويضة.
ثم تصل الشاحنات إلى مدينة الرمثا في محافظة إربد، حيث تمر على مقربة من جامعة العلوم والتكنولوجيا قبل أن تصل لمنطقة الحصن في إربد، وتسلك طريق إربد الدائري ثم تخرج منه للطريق الرئيسي، الذي يمر ببلدات كفر يوبا وجمحا وكفر أسد، وصولا إلى الشونة الشمالية فمعبر الشيخ حسين.
تتبع مباشر لمسار إحدى الشاحنات من حدود العمري وصولا إلى جسر الشيخ حسين (الجزيرة)
عروض مغرية
تحدثت الجزيرة نت مع سائقي شاحنات تمرّ عبر هذا الطريق، حيث يقول السائق "م.ح" إنه يملك شاحنة نقل منذ سنوات ويعمل على نقل البضائع من الإمارات إلى الأردن، ويوضح "في الآونة الأخيرة، وبالتحديد بعد منع مرور السفن في البحر الأحمر، أصبح يأتينا سماسرة في دبي يطلبون منا تحميل بضائع تتجه لإسرائيل، بأجور تصل لضعفي المبلغ الذي نتقاضاه في النقل للأردن".
ويتابع "وفي حال رفضك يأتيك سمسار آخر محاولا إقناعك بطرق مختلفة، منها أن يطلب منك إيصال البضائع لمدينة الحسن الصناعية في مدينة إربد، ومن هناك يتم نقل الحاويات من شاحنتك لشاحنات أخرى تتوجه لمعبر الشيخ حسين، وهي إحدى أشكال الاحتيال".
أما السائق "س.ح" فيقول "أصبحنا نحمل أي شيء من الأردن للإمارات ولو بالمجان، وهو ما كان غير مجدٍ فيما مضى، لكن الآن أصبح المقابل المادي للنقل من الإمارات إلى إسرائيل مضاعفا، بمقدار ضعف ونصف، وهو ما دفعنا لمحاولة الذهاب محملين بأي شيء ولو بالمجان، لكي يسمح لنا بالعبور".
وعن نوعية البضائع التي يتم نقلها، أشار "س.ح" للجزيرة نت أنه لا يستطيع حصر كل شيء، لكنها تتضمن ملابس وأقمشة ومواد غذائية، كما تحدّث عن كون الشاحنات مرصصة ومراقبة عبر نظام التتبع "جي بي إس".
النائب حسن الرياطي استجوب الحكومة الأردنية حول وجود جسر بري ولم يحصل على إجابة (مواقع محلية)
امتناع حكومي عن الرد
حاولت الجزيرة نت الحصول على رد رسمي أردني حول ما تم رصده عن هذا الطريق، وعن عدد الشاحنات الذي تسلكه ومقارنته بعدد الشاحنات التي تأتي من طرق أخرى، من خلال التواصل مع الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين، ولم تحصل على أي رد حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، لكنه كان قد نفى وجود هذا الجسر في تصريح سابق للجزيرة نت معتبرا أنه "زعم وادعاءات".