إعلانات

المدير المؤسس للمعهد الموريتاني للبحث العلمي

خميس, 06/01/2022 - 18:15

    عبد الله ولد بابكر

المدير المؤسس للمعهد الموريتاني للبحث العلمي

 

أولا- الثقافة: تعريفها ودورها

يمكن تعريف الثقافة بأنها ما نحن عليه وما يشكّل هويتنا ويحفظ تماسكنا ويوجّه تطلعاتنا. وبالتالي فهي شرط ووسيلة تطوير المجتمعات والمحرك والحاضن لجميع التطورات الاجتماعية، والضامن لنجاح أي سياسية تنموية. وبالفعل فإن من أهم وظائف الثقافة الدور الذي تؤدّيه باعتبارها وسيلة زرع الثقة والأمل في القدرة على تجاوز الصعوبات الظرفية مهما كانت خطورتها وعلى النهضة الشاملة من جديد. ومن مكونات الثقافة القيم التي تتضمن القيم الأساسية، بما فيها نبذ التمييز العنصري وحب العدل والتسامح الديني، والقيم الاجتماعية التي تبلور المسؤولية العامة للجماعة عن ما فيه مصلحتها، والقيم الاقتصادية التي تدعو إلى العمل النافع، والقيم الفكرية الثقافية التي تدعو إلى محاربة الأميّة والبحث عن المعرفة واحترام الآخر وثقافته واحترام التراث وإحيائه، والقيم الوطنية التي تتضمن قيم المواطنة والذود عن الأوطان والدفاع عن مصالحها وإعلاء شأنها. ولهذا ينبغي إعطاء الأولوية للعمل الثقافي باعتباره الأسّ لتكوين وعي عام لرؤية المجتمع الوطني لذاته وللمشروع المجتمعي الذي يريده والمنزلة التي يرتضيها لنفسه في المجتمع الإنساني، وأن يتقاسم أفرادُه ومكوناته الوعيَ بهذا كله ويتملّكوه لكي يعملوا بمقتضاه.

وهذا يعني أن علينا أن نركز على ما هو جامع لنا وما يحفّزنا على الإيمان بقدرتنا على إدراك مقاصدنا وتحقيق أهدافنا. لأن في كل تاريخ وكل ثقافة ما هو "عبء" وما هو "حافز"، حسب تعبير قسطنطين زريق. ولذلك يعتبر هذا الاختيار حاسما في مآلات الأمور على مستوى الفرد والجماعات والدول. ويدعونا هذا إلى فهم أفضل للماضي وللحاضراللذين فينا واللذين حولنا، والتعرف على ما فيهما من المحفّزات والأمور الجامعة وتوجيه السياسات في ضوئها. كما لابد من التنبه إلى أننا كلنا نحمل صورة للمستقبل ولكن عندما نكون راضين عن الحاضر أو واثقين من تغييره نحو الأفضل تكون نظرتنا متفائلة تطبعها الثقة في النفس، وعندما لا نكون كذلك ينتابنا الخوف من المستقبل فنلجأ غالبا إلى الماضي، وقد يكون ذلك الماضي من النوع الحافز على النهضة من الكبوات والصعود إلى عليين، وقد يكون من النوع العبء المدحرج إلى أسفل سافلين، مما يجعل من الضروري إعادة تأسيس الماضي في وعينا حتى نتمكن من احتوائه بدل أن يحتوينا، وحتى يقع إعلاء شأن المحفزات لكي تكون مرشدا لنا ويتم تعليمها للأجيال ونشرها. ويرى عالم الاجتماع والمستقبليات الهولندي فرَدْ بولاك F.Polak (ت 1985) في كتابه )صورة المستقبل) أن صعود صور المستقبل أو هبوطها يسبق أو يواكب نهضة الثقافات أوانحطاطها، فما دامت صورة المستقبل عند المجتمع إيجابية ومزدهرة تكون زهرة الثقافة متفتحة والعكس عندما تبدأ الصورة تفقد بريقها وحيويتها.

بناء على هذه المعطيات، يصبح من الواجب علينا البحث عن المحفّزات التي تتضمنها ثقافتنا لإعادة اكتشاف أنفسنا بما يشحن طاقاتنا لجعل مستقبلنا أفضل من حاضرنا.

ثانيا- من المحفزات لبناء عقلية القدرة على النهضة والتألق

إن المحفزات التي يمكن إبرازها كثيرة أكتفي منها بالآتي:

1- لقد عرفت بلادنا التعدد الثقافي منذ أقدم العصور، وتساكنت مكوناتها في كنف الانسجام والوئام والاحترام في جميع الحقب التاريخية ، وتمازجت وتزاوجت وتغيرت انتماءاتها الثقافية والقومية وفقا لبيئاتها الجديدة بغض النظر عن أصولها العرقية. وهذا الوعي ينبغي أن يفضي إلى الاقتناع بأن الاعتراف بالاختلاف هو السبيل إلى تحقيق الائتلاف. وتجد هذه المقاربة أتقن طرح لها في ديننا الإسلامي الحنيف، وخاصة في القرآن الكريم، بصفتها إرادة إلهية، فالله كرم بني آدم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70]، وجعل التنوع والتعدد من آيات الله كخلق السماوات والأرض (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم:22]، بل جعله علة للتعارف(وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات:13]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) [أحمد (23536)] وقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ) [أبو داود (5121)]. ولابد هنا من التذكير بحديثين أحدهما عن امرأة دخلت النار في هرّة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، والثاني عن بغيّ دخلت الجنة بسقاية كلب ظمآن حين نزعت موقها فسقته به. فإذا كانت حقوق الكلاب والقطط على هذه الدرجة من الأهمية عند اللـه سبحانه وتعالى فما بالك بحقوق عباده الذين كرمهم.

ولبلادنا الحق في الافتخار بأنها انتمت إلى امبراطورية مالي التي أصدر سلطانها سوندياتا كيتا "ميثاق ماندين" لحقوق الإنسان في عام 1236م. 

وقد أكدت المواثيق الدولية، بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الموقع بتاريخ 10 ديسمبر1948، هذه الأسس الشرعية والوضعية وألحّت على أن "التنوع الثقافي بوصفه مصدرا للتبادل والتجديد والإبداع، ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية"، وأنه ينبغي ألاّ يُخشى مما قد يوجد داخل المجتمعات أو فيما بينها من تنوع، بل ينبغي الاعتزاز به واعتباره ثروة وقوة.

2- جمع سكانَ المنطقة وألّف بين قلوبهم الدينُ الإسلامي الحنيف الذي يظل الناظم المركزي للمحتوى الثقافي الوطني، والمنظّم للحياة الاجتماعية، والعروة الوثقى للوحدة الوطنية، كما أنه يعدّ أهم مؤثر في الإنتاج الثقافي الإيجابي الذي يحض على العمل ويكرس قبول الآخر ويحافظ على التعايش السلمي الأهلي. وشريعة الإسلام "عدل كلها ورحمة كلها ومصالحُ كلها وحكمة كلها"[1] ، و"دائرة مع أمارات الحق وأدلة العقل(...) وقد جعلت الحقوق الإنسانية التي تجب لكل إنسان بصفته الإنسانية ضرورات واجبة (..) ومقاصد الشريعة يراد منها أن توفر للإنسان كل حقوقه في منظومة رأسها تحقيق كرامة الإنسان".[2]  

ولكن المتعصبين، في كل زمان ومكان، يصدق عليهم قول ابن قيم الجوزية:" المتعصبون، على عكس أهل العلم، يقبلون ما يوافق آراءهم ويتحيّلون في ردّ ما يخالفها".

 3- حققت حركة المرابطين التي أسهمت في جيوشها مملكة التكرور بقيادة ملكها وارجابي وخلفاؤه ودعمتها ممالك المنطقة وخاصة دولة زافونُ(جافون) السونينكية، إنجازين عظيمين يستحقان التخليد، علاوة على تأخيرها سقوط الأندلس لأربعة قرون، هما توحيد منطقة المغرب العربي سياسيا باستيلائهم على مدينة الجزائر وبناء جامعها الكبيرعام 490هـ، ولم يغزوا ما شرقها لأنه واقع تحت الحكم الصنهاجي[3]. وعليه يكون المرابطون وحدوا المغرب العربي قبل توحيده- المشهور- من قبل الموحدين سنة الأخماس (555هـ). وأما الإنجاز الثاني فأعظم أثرا وهو توحيد المنطقة على المذهب المالكي مما جنبها الصراعات المذهبية، فقد حقق المرابطون بقوتهم مشروع الجماعة الإصلاحية المالكية في المنطقة، التي كان يتزعمها أبوعمران الفاسي الذي قابل  يحيى بن إبراهيم في القيروان ووجهه إلى تلميذه وجاج بن زلو الذي بعث معه تلميذه عبد الله بن ياسين. 

وهذا إنجاز يعد مفخرة لبلادنا، ويخولها لأن تعتبر نفسها شريكا أصيلا في مشروع بناء المغرب العربي، الذي أصبح من الملح أن ينتعش اتحاده من الجمود الذي أصابه، وقد يكون ذلك بالتركيز على ميادين التعليم والبحث العلمي وصناعات الأدوية والأجهزة الطبية، وغير ذلك من الضروريات التي بينت جائحة كورونا حاجة دولنا إليها.

4- ازدهرت في البلاد، منذ عهود الإمبراطوريات التي تشكلت على أرضها أو حكمتها كليا أو جزئيا، حركة ثقافية عربية إسلامية متميزة بلغت أوجها ابتداء من القرن الهجري الثاني عشر وذلك في فترة كانت فيها الثقافة العربية الإسلامية  تعيش عصر الانحطاط ، فكان لعلماء هذا المجال الجغرافي دور بارز في النهضة الأدبية والفكرية في العالم العربي وإفريقيا [4]. وما لبثت هذه الثقافة أن شكلت حالة نادرة – بل فريدة- في تاريخ البشرية لأن المعروف أن الثقافة العالمة ربيبة المدينة بينما  ازدهرت هذه  في وسط بدوي متنقل بحثا عن الماء والكلأ، فكان اللوح والكتاب يتنقلان مع الشيخ والتلميذ في الحل والترحال. وهكذا نشأت  المدرسة المتنقلة التي تسمى " المحظرة/ المحضرة". والتي تحدث عنها العالم النحوي المختار بن بونه بقوله:

ونحن ركب من الأشراف منتظم     أجلّ ذا العصر قدرا دون أدنانا

قد اتخذنا ظهور العيس مدرسـة       بها نبيـّــن ديــــن اللــــه تبيانا

كما تميزت هذه الحركة الثقافية بحضور للمرأة لامثيل له في المجتمعات التقليدية بل تميزت بأنها تتعلم وتعلّم، حتى إن تعليم القرآن يكاد يكون من نصيب النساء. وكان من نتاج هذه الحركة وجود مئات المكتبات في المدن والقرى والأحياء البدوية، تضم مخطوطات قدرها المعهد الموريتاني للبحث العلمي في سبعينيات القرن الماضي بأربعين ألف مخطوط.

ولعل شبابنا لم يدرس كيف أمكن ذلك، والورق نادر يبذل في سبيله الغالي والنفيس، فقد سافر محمد اليدالي الديماني إلى حصن أرڤين وكاد أن يغرق ليحصل عليه لكتابة تفسيره " الذهب الإبريز"، ولم يدرس أن الحاج محمود با سافر إلى الحجاز وعاد منها سيرا على الأقدام. ولعله لم ينبه أيضا إلى أن الذين طارت سمعتهم العلمية في الآفاق لم يكن لهم النور الكهربائي ولا المكتبات الورقية والرقمية وآلات اختزال أبعاد الزمان والمكان المتوفرة لأجيال اليوم. وينبغي أن يمثل ذلك حافزا على أن نكون خير خلف لهذا السلف فنتفوق في العلوم والابتكار ونصنع المعجزات، وأن نوجد الحلول التي توافق أوضاعنا كما فعل المسؤولون الذين أسسوا في بداية الدولة الحديثة المدرسة العصرية المتنقلة أسوة بالمحظرة، فتحقق نشر التعليم مع المحافظة على التنمية الريفية، وتفادي النزوح إلى الحضر دون مصادر رزق منتجة، وتجنب التبعات السلبية الأخرى لهذه الهجرة.

5-  إن لنا نصيبا، بحكم انتمائنا إلى مملكة مالي ودورنا الفكري فيها، في أكبر بعثتين استكشافيتين لما وراء المحيط أمر بهما الملك مانسا أبوبكر الذي قاد آخرهما سنة 1311-12م  تاركا الحكم لأخيه الملك الشهير مانسا موسى. وذلك قبل رحلة كرستوف كولومبوس بزهاء قرنين. يروي ابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار في ممالك الأمصار رواية منقولة عن السلطان منسى موسى وهو في القاهرة في رحلته الشهيرة للحج عن كيفية توليه الحكم جاء فيها:" نحن أهل بيت نتوارث الملك، وكان الذي قبلي لا يصدق أن البحر المحيط لا يمكن الوقوف على آخره، وأحبَّ الوقوف على هذا، وولع به فجهز مئين مراكب مملوءة من الرجال وأمثالها مملوءة من الذهب والماء والزاد ما يكفيهم سنين، وقال للمسافرين فيها:  لا ترجعوا حتى تبلغوا نهايته (..) ثم عاد مركب واحد منها فسألنا كبيرهم عما كان من أثرهم وخبرهم فقال(..) سرنا زمانا طويلا حتى عرض في لجة البحر وادٍ له جرية قوية، وكنت آخر تلك المراكب، فأما تلك المراكب فإنها تقدمت فلما صارت في ذلك المكان ما عادت ولا بانت ولا عرفنا ما جرى لها، وأما أنا فرجعت من مكاني ولم أدخل ذلك الوادي(..) ثم إن ذلك السلطان أعد ألفي مركب ألفا له وللرجال استصحبهم معه وألفا للزاد والماء، ثم استخلفني وركب بمن معه في البحر المحيط وسافر فيه وكان آخر العهد به وبجميع من معه، واستقل لي الملك"[5]

6-  في مقابلة تلفزية مع السيد جاك عتالي  JACQUES ATTALI المثقف والسياسي الفرنسي الذائع الصيت، أعلن أن الأفارقة اخترعوا الحاسوب قبل اكتشافه في الغرب، وهو بذلك يتبع استنتاجات الرياضي الأمريكي رون أغلاش Ron Eglash  بشأن الأشكال الإكسيرية Fractales ، وخاصة قراءة الرمل لمعرفة الطالع من خلال ما يعرف بـ code Bamana  وهو " الڤزانة" حيث يتبع نظام توليدها العمل بمتغيرين، أي إذا كان حاصل الجمع عددا فرديا تكون النتيجة 1 وإذا كان زوجيا تكون النتيجة 2. وقد ذكَرا أن هذه النظرية الرياضية انتقلت( من موريتانيا كما يؤكد عتالي) إلى قرطبة ومنها إلى هولندا حيث أخذها ليبنيزLeibniz ثم جورج بول George Booleالذي ينسب إليه " الجبر البولي" الذي به اخترع جون فون نيومان John von Neumann  الحاسوب الرقمي.

 وليس المهم هنا أصل حساب الرمل هذا بل ذكر بلادنا أنها كانت الواسطة في هذه الثورة التي حققت للإنسانية مكاسب لا تحصى. 

ومن شأن هذين المحفّزين أن يشحذا هممنا ويرسخا قناعاتنا بأننا قادرون على الابتكار والفعل والإسهام بنصيبنا في حاضر ومستقبل الحضارة البشرية. ولا ينقصنا إلا أن يصحّ العزم وتتوفر الإرادة التي هي الثروة الحقيقية التي بدونها لا تنفع أموال قارون ولا غيرها من مصادر القوة.

 

7- إذا كان شعبنا في حدود أربعة ملايين نسمة (أي أقل من سكان الدار البيضاء ومن سكان حي من مدينة القاهرة) وأرضنا التي تربو على مليون كلم2 فيها زهاء مساحة الجمهورية التونسية من الأراضي القابلة للاستغلال الفلاحي، ولنا ثروة سمكية هائلة (وهي ثروة متجددة) يمكن أن تدرّ علينا عائدا سنويا يماثل عائد بعض الدول البترولية، وثروة حيوانية هامة تفوق حاجتنا(علاوة على المعادن والخيرات والإمكانيات الأخرى- وما أكثرها ) أليس من حقنا أن نعتبر أن من السهل توفير ظروف العيش الكريم لشعبنا في وقت وجيز، وأن من واجبنا أن نتشبع بهذه الثقافة ونشحن بها طاقتنا ونجعلها تُزجينا في السبل الموصلة إلى هذا الهدف في أجل قريب. إن توفير الغذاء والدواء والمسكن والتعليم  لأربعة ملايين من الناس لهم كل هذه الخيرات في ظرف وجيز نسبيا في متناولنا.

8- ولنختم هذه المحفزات بالتوجه السياسي الوارد في البرنامج الرئاسي" تعهداتي" بشأن "التطور والنماء بواسطة الثقافة .." والعمل "من أجل تثمين تراثنا الثقافي واستثماره لصالح توطيد هويتنا الوطنية في تنوعها، واعتبار أن " التراث الثقافي يشكل اليوم بالنسبة لنا أداة للتنمية ومصدرا لمزيد من التطور والنماء". فذلك أهم ما يعتمد عليه "لنقود معا عملية النهوض بمجتمعنا" كما ورد في البرنامج.

 إن انخراطنا جميعا في هذه الرؤية المحفزة والعمل الجدي بمقتضاها كفيل بأن يجمعنا لمواجهة المشاكل الحقيقية، ما هو ماثل منها وما هو متوقع، فنخرج من الخلافات حول الأعراض ومن التخبط في أوحالها ورمالها البلاعة، ونرقى بالحراك الثقافي إلى مستوى الرهانات والاستحقاقات الحقيقية، فنطرح الأسئلة الصحيحة لأن الأجوبة الصحيحة تقتضي أن تكون الأسئلة صحيحة، ونحدد أهدافنا بوضوح، لأنه " لا توجد ريح مواتية للبحار الذي لا يعرف وجهته" كما يقول الفيلسوف سنيك SENEQUE(ت 65 م)، كما أنه لا نهضة لمن يستسلم للخوف أمام المحن: لقد قال فرانكلين روزفيلت للشعب الأمريكي يوم تنصيبه عام 1933 والأوضاع في غاية السوء: "إن الشيء الوحيد الذي يجب علينا أن نخاف منه هو الخوف نفسه". نعم إن المواقف الرافضة لثقافة الخوف وهزيمة المعنويات والتي تبني إرادة جماعية ورؤية للمستقبل في إطار مشروع يحظى بتعبئة جماعية هي التي تحوّل الشعور بالضعف إلى قوة دفع لرفع التحديات وإعلاء الشأن.  

   

 

المصدر: مجلة "الثقافة الفصلية التي تصدر عن وزارة الثقافة الموريتانية.

 

 ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار ابن الجوزي، السعودية، 1423هـ، المجلد 4، ص 337[1]  

.  د. علي جمعة، المساواة الإنسانية في الإسلام بين النظرية والتطبيق، دار المعارف، القاهرة، 2014، ص4[2]  

 3. نبه إلى ذلك الأستاذ محمد حجي، في تحقيقه لكتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان، دار الغرب الإسلامي،  ط 2،1983، الجزء الثاني، ص72 الهامش 50 : " توقفت فتوح المرابطين عند جزائر بني مزغنة( الجزائر)ولم يجلبوا على ماوراءها من البلاد الواقعة تحت نفوذ الإمارتين الصنهاجيتين بقلعة بني حماد والمهدية اعتبارا للحمية الصنهاجية.." ، ويعني بإمارة المهدية الزيريين بعد خروجهم من القيروان إثر الغزو الهلالي.

 

[4] . نذكر من هؤلاء العلماء محمد محمود بن التلاميد المتوفى بالقاهرة سنة 1904 "الذي انتهت إليه رئاسة علوم اللغة والحديث " في الديار المصرية، كما قال الشيخ محمد رشيد رضا. وقد كلفه الشيخ محمد عبده بتدريس اللغة والأدب في الأزهر، وقال عنه طه حسين في "الأيام": " كان أولئك الطلبة الكبار يتحدثون بأنهم لم يروا ضريبا للشيخ الشنقيطي في حفظ اللغة ورواية الحديث سندا ومتنا عن ظهر قلب"، ومحمد أمين بن فال الخير الحسني المتوفى سنة 1932 دفين" الزبير" الذي ساهم في إحياء علوم الدين واللغة العربية في جنوب العراق والكويت، ومحمد الخضر بن مايابى مفتي المالكية في عهد الشريف حسين وأول قاضي قضاة إمارة شرق الأردن وابنه محمد الأمين ، وأخوه  محمد حبيب الله بن مايابى  المتوفى بالقاهرة  سنة 1958، العلامة المحدث، الذي درّس في الأزهر واشتهر بكتابه " زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري  ومسلم"، ومحمد الأغضف ولد أحمد مولود الجكني مفتي الديار المغربية في عهد تلميذه  السلطان عبد الحفيظ، والحاج محمود با المتوفى سنة 1978 مؤسس مدارس الفلاح في إفريقيا، ومحمد الأمين الشنقيطي ( آبّ بن خطور) المتوفى بمكة سنة  1983، مؤلف كتاب" أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" ....

 

 

. مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، دار الكتب العلمية، بيروت 1971، الجزء 4، ص 56.[5]