إعلانات

الجزائر تُسرع على "طريق الحرير".. فهل يتراجع نفوذ فرنسا وأوروبا؟

اثنين, 12/04/2021 - 23:17

عبد الحكيم حذاقة - الجزائر

 

 

وقّعت الجزائر مؤخرا على مذكرة تفاهم بين المؤسسة الوطنية للحديد والصلب "فيرال" وائتلاف شركات صينية؛ من أجل استغلال منجم الحديد بغار جبيلات بمحافظة تندوف (1800 كيلومتر جنوب غرب العاصمة)، وسيكون تمويل المشروع جزائريا صينيا مشتركا، في حدود 2 مليار دولار.

وتأتي الشراكة الجديدة مع الجانب الصيني بعد أشهر قليلة من تفعيل صفقة إنجاز ميناء الحمدانية بمحافظة تيبازة (50 كيلومترا غرب العاصمة)، والتي وقعتها الجزائر منذ يناير/كانون الثاني 2016 مع مؤسستين صينيتين وفق قاعدة 49/51؛ لكنها تعطلت باندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط 2019، على خلفية دخول مُقاولين جزائريين من حاشية السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق.

 

وأعلنت وزارة النقل الجزائرية أن تكلفة الميناء ستكون في حدود 3.3 مليارات دولار، وسيتم تمويله في إطار قرض صيني على المدى الطويل، بينما تضمن استغلاله شركة "موانئ شنغهاي".

غير أن الرئيس عبد المجيد تبون، أمر الحكومة يوم 28 يونيو/حزيران الماضي، بإعادة دراسة مشروع الميناء مع الشريك الصيني وفق قواعد شفافة وجديدة.

ونقلت "شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية" أن ميناء الحمدانية يدخل في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، ويعد من بين أهم المشاريع المخصصة لنقل السلع، ما سيمكنه مستقبلا من إجراء مبادلات تجارية مع أفريقيا وأوروبا.

صفقات كبرى

سبق للصين الظفر بصفقات كبرى بالجزائر، على غرار إنجاز فندق شيراتون، وجامع الجزائر بتكلفة تجاوزت مليار دولار، والطريق السيار على مسافة 1216 كيلومترا بتكلفة 19 مليار دولار، وتوسعة مطار الجزائر الدولي بقيمة 650 مليون دولار، ناهيك عن مئات الآلاف من الوحدات السكنية.

ومطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقّعت الجزائر على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتقني مع الوكالة الصينية للتعاون الدولي من أجل التنمية، ويحدث ذلك في وقت ستراجع فيه الجزائر رزنامة التفكيك الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، وفق مصلحتها الاقتصادية.

ويشار إلى أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأساسي للجزائر، حيث بلغت المبادلات بين الطرفين 22.72 مليار دولار، وفق تقرير وزارة المالية لعام 2020.

 

لكن حصيلة أخرى لوزارة التجارة في الفترة نفسها، تضع الصين في الصدارة، كأول ممول للجزائر بـ17%، أي ما يعادل 9 مليارات دولار.

الطريق السيار بالجزائر أنجزه الصينيون ويمتد لمسافة 1216 كيلومترا بتكلفة 19 مليار دولار (الجزيرة)

تحالف طبيعي

وعن خلفيات وآفاق اقتحام العملاق الصيني للسوق الجزائرية، اعتبر يوسف ميلي، رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات، أن الجزائر من الدول المركزية الرائدة، بالنظر إلى ثقلها التاريخي وتوجهها السيادي، مقارنة بالكثير من الدول الأفريقية الأخرى.

ويعتقد أنه يمكنها اليوم في إطار تحالفها الطبيعي والتاريخي مع الصين قيادة قاطرة التطور الاقتصادي، الذي تتزعمه بكين "تحت مبدأ بدل أن تعطيه سمكة علّمه الصيد، وهو أمر مختلف تماما عن ثقافة باقي المتدخلين الاقتصاديين الغربيين القائمة على الاستغلال".

ونظرا لموقعها الإستراتيجي في أفريقيا وموازاتها لجنوب أوروبا، فإن الجزائر اليوم محل أنظار القوى الاقتصادية العالمية، ويأتي مشروع ميناء شرشال الكبير كدعم لسياسة التعاون الجزائري الصيني، الذي يجعل جنوب أوروبا متلاحما مع شمال أفريقيا ووسطها، مثلما يقول المحلل يوسف ميلي.

وأكد في تصريح للجزيرة نت أن نظرية طريق الحرير بمثابة انقلاب في المفاهيم الاقتصادية القديمة القائمة على فكرة الاستغلال بدون تنمية، وبالتالي فهي تلتقي مع السياسة الجزائرية.

ويرى المتحدث أن الاستثمارات الصينية في الجزائر تشكل تطويقا اقتصاديا لجنوب أوروبا، حيث ستصبح السوق الأوروبية على مرمى حجر من البضاعة الصينية.

وما يدور حاليا في أذهان صناع القرار الجزائريين -وفق الخبير ميلي- من مشاريع لخلق عاصمة اقتصادية في جنوب البلاد، ومطار دولي بمواصفات عالمية في مدينة تمنراست (على الحدود مع مالي)، سيجعل المستقبل الاقتصادي لأفريقيا والعالم كله يتغير نحو قارة شابّة تزخر بجميع الثروات الطبيعية، مقارنة بأخرى أنهكتها الشيخوخة وتباطؤ النمو.

تقدم صيني

من جهة أخرى، وعن إمكانية تأثير ذلك على النفوذ الفرنسي والأوربي عموما، قال الخبير المالي لدى البنك الدولي، أمحمد حميدوش، إن الصين ربحت في ميزانها التجاري مع الجزائر 4.202 مليارات دولار أميركي خلال 11 شهرا من سنة 2020، ما جعلها في الصدارة مقارنة مع دول أوروبية لها ميزة تنافسية جمركية، وفق اتفاق الشراكة.

بالمقابل، فإن صادرات فرنسا نحو الجزائر، في الفترة نفسها، سجلت مبلغ 3.364 مليارات دولار، ما جعلها تفقد مرتبتها الأولى كمورد للجزائر، بينما تبقى كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا من زبائنها، بواردات تقدر على الترتيب بـ3.12 و2.94 و 1.96 مليار دولار، وفق الحيز الزمني نفسه.

ويعتقد حميدوش أن تراجع فرنسا كأول مورد للجزائر، ومعها الدول الأوروبية، يعود إلى انخفاض القدرة الشرائية للأسر الجزائرية؛ مما جعلها تفضل السعر على النوعية والمعايير الدولية المفروضة على السلع في أوروبا، بالإضافة إلى مرونة التصريح في أسعار السلع المطبقة في الصين، وكذلك قوة الدولار في التبادل التجاري مع الدول الآسيوية، مقابل اليورو الذي أصبح هاجسا للعديد من المؤسسات التجارية التي تعودت على السوق الجزائري.

70 ألف صيني كانوا يشتغلون في تطوير البنية التحتية والمنشآت الكبرى بالجزائر (الجزيرة)

ظرف خاص

أما بخصوص المناقصات التي فازت بها الشركات الصينية في الجزائر، فقد جاءت في ظرف خاص، حيث وصل احتياطي الصرف إلى 200 مليار دولار.

ويعتبر حميدوش أن وجود مثل تلك الشركات لن يتكرر إلا في حال ما قبلت الجزائر القروض الصينية لتمويل مشاريع الهياكل القاعدية، وهذا غير وارد على المدى القصير، طالما التزمت بعدم الذهاب إلى المديونية الخارجية.

وشدد في تصريح للجزيرة نت على أن شهية الصين مفتوحة على الموارد الأولية الطبيعية والأراضي الفلاحية لأجل أمنها الغذائي.

لكن ذلك يبقى سياسة ظرفية بالنسبة للجزائر؛ لتعويض العجز في الصادرات باستغلال القدرات الباطنية، أما المساحات الزراعية فهي سوق مغلق أمام التفاوض، ولو في صورة مشاريع نموذجية، على حد تعبيره.

والخلاصة، برأي الخبير حميدوش، أنه في حال اعتمدت السياسة النقدية للبنك المركزي الجزائري تقوية الدينار، وتمكنت الحكومة من خفض التضخم الحقيقي، فسوف ينعكس ذلك آليا لصالح الدول الأوروبية، وإذا غاب أحدهما، فسوف يبقي التوجه نحو آسيا الصين وتركيا والإمارات.

المصدر : الجزيرة