إعلانات

رحيل العظماء

أحد, 17/01/2021 - 22:34

 

د.عبد الصمد ولد أمبارك

رئيس مركز أطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية

 

ودعت موريتانيا و العالم العربي و الإسلامي فقيد الفكر و النضال و التاريخ و الثقافة ، المرحوم محمد يحظيه ولد أبريد الليل ، الذي يشكل رحيله فاجعة لكل التقدميين و لكل الأحرار و الضمائر النزيهة ، المثقلة  بالأمل على  مستقبل البلاد و العباد.

رحيل المفكر و المناضل الجسور محمد يحظيه ،خسارة لموريتانيا التي فقدت قامة وطنية و رمزا قوميا ، أرتوت بأفكاره أجيالا من الشباب و النخب الوطنية ، طيلة العقود المنصرمة من تاريخ الدولة الوطنية.

رجل فكر و سياسة و تاريخ ، ذو ثقافة واسعة ألهمت قواعد عريضة وطنيا و قوميا عربيا ، عاش على الدرب و ثبات المواقف ، رغم المحن و تقلبات الزمن و إكراهات التاريخ المستعصية ، بما فيها تحمل مختلف الصدمات المؤثرة ، التي عرفتها الساحة الوطنية مع مقاصد الأزمات العربية المتتالية ، التي ظل الراحل شامخا في وجهها ، بل جسورا في تقبل مرارة معظمها في هدوء و صمت مع التماسك الأصلي ،  كغيره من الجيل الذهبي العقائدي في الإلتزام الفكري و الأخلاقي ، حتي الرحيل في صمت مطلق دون حس بآلام الفراق ، رغم حجم الفراغ الثقيل و الإرث الإنساني الأبدي.

تميز الراحل بالزهد الدنيوي و تجاهل النزعة المصلحية  الضيقة ، ليعتني بالشأن العام في طابعه الوطني والقومي ، مجسدا عقيدة روحية ،  تستلهم العبرة من محصلة ثقافات كونية مختلفة ، ضمن كتلة شكلت وعاء الخلفية الحضارية التي عاش من أجلها الفقيد. متبصرا  التجارب من جسور عريقة تمتد من العقيدة الإسلامية و النظرية البابلية و الصينية ، حتي الثقافة الأوروبية و الإفريقية، مع التمسك بالخصوصية الجغرافية الشعبية ، الممتدة من وادنون و حتي تومبوكتو ، ضمن مناخ صحراوي مترامي ، تتنازعه عدة مشارب و أقطاب ، ظل محمد يحظيه يؤمن بحتمية الوجود لهذا العنصر و الكائن،  مع إلزامية توفر مقومات الحياة الكريمة لهذا التراث الإنساني ، إنطلاقا من خصوصية الرجل و عمق إنتماءه ،مع الوفاء للقيم و المبادىء التي ناضل الرجل من أجلها.

لقد كان محمد يحظيه أحد أبرز العقول الثقافية و الفكرية و مرجعية سياسية ، واكب مراحل تطور الدولة الموريتانية ، بل يشكل كنزا ثمينا يحتاج صبر الأغوار ، لتحقيق مقاصد البحث في حيثيات و عمق التبصر في الخلفيات التاريخية التي لازمت نهج و عقيدة الراحل ، الذي أندثرت مع رحيله مكتبة ضخمة ، إحتضنتها أكنافه و فقدتها الذاكرة الجماعية دون سابقة إنذار.

اليوم نودع خصالا  ثمينة و خط تربوي نفيس ، سطره ولد أبريد الليل عبر مسار نضالي طويل بكل حكمة و حنكة . سيبقي أروع مثال للأجيال و طريق ناصع الإنتماء الوطني ، لمن أراد الحياة من أجل الآخرين .اللهم أرحمه و أغفر له و تجاوز عنه، اللهم أسكنه فسيح جناتك مع الشهداء و الصديقين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون،  إنا لله وإنا إليه راجعون، مع تعازينا القلبية الخالصة للشعب الموريتاني و كافة قواه الحية .