إعلانات

قمة نواكشوط.. (5+4) / محمد إسحاق

سبت, 04/07/2020 - 20:28

لم تزل الأرقام مصدر فتنة. فهي مظنة للدقة يلجأ إليها قصد الاختصار غير المخل. وإذا كانت اللغة حمالة أوجه فإن لغة الأرقام دقيقة ومحايدة. تحمل من المرسل رسالته متخففة من عواطفه وأساليب تعبيره، وتملي على المتلقي فهما محددا يقلص مساحة اجتهاداته وتأويلاته... لكن الأرقام ليست دائما مصدرا للدقة والوضوح، وإنما قد يلجأ إليها للتعمية والاختزال إلى حد أدنى يتم التوافق عليه مرحليا لإنجاز مهمة محددة قد يعرقلها الدخول في التفاصيل. لذلك اختارت "ثورات الربيع" أرقاما للدلالة عليها لأن أصحابها لا يتفقون إلا على تاريخ أول مظاهرة "مليونية". بينما كانت الثورات عبر التاريخ تتخذ لها عناوين دالة.

غير أن لغة الأرقام تشترك مع اللغة العادية في نسقها المحدد للمعنى. فإذا كان ترتيب الحروف هو الذي يقرر للكلمة معناها، فإن ترتيب الأرقام هو الذي يمنحها دلالتها. وبذلك يحتفظ المضاف والمضاف إليه بدلالتهما حين يترجمان في لغة الأرقام. فغالبا ما يكون الرقم المضاف أخف وزنا من الرقم المضاف إليه. فمجموعة (8+5) تضاف فيها مجموعة الاقتصادات الأسرع نموا إلى البلدان الثمانية الأكثر تطورا. فالوزن الاقتصادي للمضاف أخف بكثير من وزن المضاف إليه، بل إن المرجو من إضافته هو أن يكتسب وزنا بالإضافة.

وقد يذهب بعض الصحفيين إلى التقليل من شأن المضاف، كما فعلت بعض وسائل الاعلام عند إنشاء مجموعة (5+٥) سنة 1990. فقد قصدوا بالرقم الهندي دول شرق المتوسط. وغالبا ما يكون المضاف من بلدان العالم الثالث. لكن قمة دول مجموعة الساحل (5+4) التي عقدت في نواكشوط تحت رئاسة الرئيس الدوري للمجموعة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني استنبطت قاعدة جديدة نصبت موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد مضافا إليه. وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا مضافة، وغيرها من المهتمين بأمن منطقة الساحل وتنميتها. وبذلك يتم الاعتراف بنا أهلا لقيادة شؤوننا، ونفرض "وزننا الطبيعي" الناتج عن جاذبية الأرض، بينما "يطير" الآخرون إلينا، أو يطلون علينا عبر الأثير...

لقد اكتسبت مجموعة دول الساحل الخمس، بهذه القمة الاعتراف باستقلالها، الذي دافعت عنه منذ نشأتها عبر رفضها دمج قواتها في المينيسما، أو الذوبان في قيادة مشتركة. وقد كانت بلادنا حجر الزاوية في هذه السياسة الرامية إلى استتباب الأمن، وتحقيق التنمية من خلال تصور يأخذ في الحسبان حقائق الواقع بدل التصورات النظرية النمطية. يضاف إلى ذلك صمودنا في وجه كل الضغوط الرامية إلى الزج بنا في حروب عبثية لا تخدم مصالحنا الوطنية. وبدل ذلك بنينا جيشا يحمل عقيدة دفاعية تحمي الحدود وتحترم الجوار. منطلقين في ذلك من موقعنا الاستراتيجي، وإرثنا الحضاري وإمكانياتنا الواعدة.

كانت قمة نواكشوط (5+4) تكريسا لدورنا الريادي في منطقة الساحل الذي أعطاه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بعدا جديدا يكرس نمطا من التعامل بين بلداننا والقوى الغربية قائما على الاحترام والاعتراف لنا بالريادة والقيادة حين يتعلق الأمر بأمننا وأمنهم، وتنميتنا ونفوذهم... لطالما تنبأ المحللون بأن عالم ما بعد كورونا لن يكون شبيها بالعالم ما قبل كورونا.. فهل أطلقت قمة نواكشوط (5+4) الديناميكية الجديدة لعالم أكثر إنصافا، وأرست قواعد أكثر عدلا للعلاقات بين بلدان الجنوب والشمال؟