إعلانات

زهرة نرجس... "البطارين ما اكولُو ما هو ش اظحك"

سبت, 06/06/2020 - 00:27

زهرة نرجس

 

مؤلم#

في بلدي كن منافقا ،كذابا ،مخادعا ،لصا ,فالمهم أن تُكوّن لنفسك ثروة مهما كان مصدرها ، فلا يهم من أين , ولا كيف جمعتها , أَمن خبز اليتامى ، الارامل ، الفقراء ؟

لا يهم ستصبح مهابا ، مقدسا حتى من أولئك الذين سرقت خبزهم وابتسامات أطفالهم ، لا شك أن للمال قوة وسلطانا وهيبة ،لكن الغريب في هذا البرزخ أن وصل ببعضهم حبُّ اصحاب الثروة الى درجة تقليدهم والتعاطف معهم والخوف منهم ... فتراهم يضحكون اذا تحدثوا ,دون أن يكون لحديثهم ما يجعل المرء يضحك , بل احيانا يكون مدعاة للبكاء !

وهذا ما يجعل السؤال التالي مطروحا بقوة ومشروعا , هل المال بالنسبة لمجتمعنا اصبح كل شيء؟

لاشك أن سطوة الغنيّ وتملُّكه وقدرته على جلب كلما يحتاجه , وتوهم الكثير منا بأنه دائما سعيد , كل هذه الأشياء تداعب أحلامنا وتجعلنا نحلم بالثراء لنكون مثله ، لكن عندما نعرف أن قصور هؤلاء الملوك غالبا ما تخفي وراءها تُعساء بحق ,والامثلة كثيرة جدا وليست مجرد خيال كاتب أو "حكواتي".

واليكم حكاية حدثت معي وجعلتني أعايش الصنفين معا :

أغنياء لكنهم تعساء ، اشخاصا يقدسون المادة وأصحابها ,لا لشيء سوى انهم يملكون هذا المال!

ذات مساء وانا اجلسه أمام منزل الاسرة على بقايا رمال كانت تستعمل لخلطها مع الاسمنت مع جارة لي , وقد اتخذت منها منتزها نجلس فوقها في سويعات الفراغ ..نبوح لبعضنا بعفوية وببراءة , ونعلق على كل ما يدور في حيّنا.

المهم أن ابن عم لي وأخ من الرضاعة ثري جاءنا وجلس إزائي , وسلّم عليّ ، رددت عليه السلام وحاولت الوقوف لأخبر الاهل بوجوده , وليتفضل بالدخول ، لكنه استحلفني ان اجلس ليحدثني بعض الوقت ، جلست , ويبدو أن المسكين متعب ولا يعيش سعيدا ، ثم دارت بيننا احاديث واحاديث كان خلالها يبوح بعفوية وألم وحسرة، وأتذكر أن من بين الأشياء التي ذكرها لي : أنه يحب العودة الى بساطة الاعرشة والخيام والحياة التقليدية العفوية ، قال لي بالحرف الواحد : قضيت 25 سنة وانا اجوب بقاع العالم وكوّنت ثروة وتزوجت ,ولي ابناء ،لكني في الحقيقة اكتشفت في الاخير أن راحتي ليست في المال والمنزل الكبير والسيارة الفاخرة والمطاعم الراقية ، فما زلت أبحث عن شيء لا أدري ما هو ، ارتاح كثيرا حين أعود الى الاعماق وأجلس تحت ظل شجرة وأرى نقاء وطهارة ووفاء البدوي،!،

قلت في نفسي : مسكين!! وتذكرت بيتا من قصيدة لنزار

سلامٌ على من كنتِها.. يا صديقتي

فقد كنتِ أيامَ البساطة أجملا

نظَر الى ساعته فإذا بالبوح قد سرق من وقته الكثير ، ثم دخل ليسلم على والدتي وكانت زميلتي تراقب المشهد من بعيد وتتحّين الفرصة لذهابه لتعود وتجلس معي..

حدثتُها عنه فطارت وكادت تصاب بالجنون ورمتني بالحماقة وصاحت يا مجنونة , إن معاملتك له وعدم تفاعلك معه أوهماني بأنه شخص عادي ،لمَ لمْ تضحكي اثناء حديثكما , فانا كنت أراقبه وهو يضحك وحده ،قلت لها من باب الممازحة يا صديقتي لا اخفيك سرا (هوقريبي يقير مغسول ,وأمرادُو ما اظحكوني) لكن يبدو انه يعاني , أجابتني (يمي انت ازويكله.. البطارين ما اكولُو ما هو ش اظحك.. ذاك ال لاهي يمركَـ منهم كامل اظحك!!).

هذا مثال عشته ومشهد جعلني أتذكره الآن وأسرده لكم , فكلما صادفت أشياء من هذا القبيل ذكرتني به , فأقف حائرة أمام جري المجتمع وراء المادة و قوة تأثيرها حتى في العواطف والعلاقات! ومدى الوهم الذي يعيشه من يظنون أن السعادة تكمن في المال، فصديقتي لم تسألني آنذاك عن اخلاق الرجل ولا ماضيه ولا كيف ,ولا من اين جمع ثروته ، وقد تذكرت في هذا الصدد قول المعري

رأيت الناس قد مالوا – إلى من عنده المال

ومن لا عنده مال – فعنه الناس قد مالوا

حتى مشاعرهم ووجدانياتهم تتكيف مع حب المال فتعمى القلوب والأعين فلا ترى ولا تسمع الا حفيف الاوراق وأزيز السيارات ،سبحان الله !