إعلانات

يدركون ما لا ندرك... ولكن

خميس, 04/06/2020 - 02:35

أ.د. عبد الله السيد (*)

 

راودتني غواية التدوين في موضوع كورونا منذ أيام، لكني كنت أزجرها دائما؛ لاعتبارات، منها:

- أن فخامة رئيس الجمهورية أعطى تصورا واضحا لإستراتيجية الحكومة في مواجهة هذا الداء أثناء خطابه بمناسبة عيد الفطر.

- أن جهودا وطنية، وتصورات، وخطط عمل قد ظهرت خلال أكثر من أربعة أشهر مضت على تصدي الحكومة والمجتمع لهذا الداء؛ وبالتالي لا بد أن يكون فيها من مرق الحلول ما يغني عن التدوين في الموضوع.

- أنني شخصيا قد دونت مرات عديدة عن هذا الموضوع، ودفعني غرور التدوين إلى إعطاء خطط واقتراحات كثيرة.

لكن توسع انتشار الداء منذ اليومين الماضين، والحملة التي يقوم بها بعض مستغلي هذا الفضاء لتثبيط العزائم والهمم دفعاني إلى إعادة التدوين من جديدة.

ومع يقيني من أن الطواقم الوطنية، المدنية والعسكرية، التي تقف في الجبهة الأمامية لمواجهة الداء تدرك ما لا أدرك، فإنني أقترح تعديل الخطة الحالية لمواجهة الداء حتى نتمكن من كسره بأقل التكاليف؛ مستفيدين من تجارب الدول الأخرى.

لقد شاءت الأقدار أن يبلغ الداء ذروة انتشاره عندنا في الفترة التي بدأ ينحسر فيها في معظم دول العالم، وقد قمنا بالاحتراز فأغلقنا الأسواق وفرضنا إجراءات ساهمت في تأخر انتشار الداء عندنا، لكننا الآن، بعد موجة الانتشار، مضطرون لتجريب نتائج أسبوع من العزل التام، وحظر التجول لمدة 24 ساعة، وفرض التباعد بالقوة.

كثيرون منا لا يدركون أن الفحوص التي يقام بها يوميا مكلفة ماديا وبشريا، ففي الولايات المتحدة تبلغ تكلفة الفحص بالنسبة لغير المؤمنين صحيا قرابة 2000 دولار، ولعل في ذلك سرا من أسرار استثقال الجماهير الأمريكية لحادثة مقتل جورج فلويد على يد الشرطة.

كما أن الاستنفار الأمني في الحدود وبين الولايات وداخل المدن مكلف جدا، واستمراره لفترات طويلة لا يعرف لها نهاية أفضل منه العمل على كسر انتشار الداء فترة وجيزة.

لم تستطع دولة أن تعامل ذروة انتشار الداء إلا بالعزل، لكن كثيرا من الدول الآن بدأت تتعايش مع بقايا الداء بعد سيطرتها عليه بالعزل التام. أما نحن فقد عزلنا قبل أن ينتشر الداء عندنا تزامنا مع عزل الدول الأخرى وهي في ذروة انتشار الداء، ونريد الآن أن نتعايش مع الداء في ذروة انتشاره عندنا على غرار دول أخرى تختلف عنا من حيث تجاوزها مرحلة ذروة الانتشار.

وقصارى القول على الحكومة أن تجرب خطة عزل شامل في كل مقاطعات نواكشوط؛ بحيث يكون أمام كل منزل حراسة لمدة 72 ساعة لا يدخله أحد من غير سكانه ولا يخرجه أحد، وتسمح بعد ذلك بالتسوق داخل الحي لمدة ساعتين، ومن ثم تواصل العزل لمدة أسبوع...

أما غير ذلك غيعني تكاليف باهظة اقتصاديا، وحصيلة لا ندري، لا قدر الله، متى تكون باهظة لأنها هي ذاتها سياسة "مناعة القطيع" التي أدخلت رئيس وزراء بريطانيا المستشفى، واضطرت حكومته في النهاية إلى فرض العزل، وتغريم المخالفين للتوجيهات الصحية.

 

____

 

(*) مثقف وأكاديمي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط