إعلانات

أعجبني جدا موقف ترامب…

أربعاء, 03/06/2020 - 22:16

 سهيل كيوان

أستمتع في هذه الأيام بمشاهدة ما يصل عبر وسائل التواصل والفضائيات من أعمال نهب وسطو في مختلف مدن الولايات المتحدة.
بالنسبة لي، هي مشاهد أعتبرها من أجمل ما رأيت وسمعت، منذ هتافات الشعوب العربية في الشوارع والميادين «الشعب يريد إسقاط النظام».
أشعر بدغدغة جسدية وروحية وعاطفية لا أستطيع مقاومتها.
كنت أتمنى أن يكون الأمريكيون مهذّبين مثل العرب في انتفاضاتهم، أن يفترشوا الشوارع، أن يرقصوا ويدبكوا وينشدوا متكاتفين في الميادين بأعذب الألحان وأرق المشاعر، أن يبدعوا في الشعارات وخفة الظلّ، ولكن ما العمل وهؤلاء جزء من الأمريكيين، ومن ثقافة عبادة المادة والملكية الفردية، والغاية التي تبرر الوسيلة، وما من غاية سوى المقتنيات والماديات الاستهلاكية الملموسة.
التصرفات التي أظهرها هؤلاء شكلت نموذجاً سيّئاً للإنسانية عموماً، وليس للأمريكي فقط. أهكذا يتحول الإنسان إلى كل هذا الانحطاط في لحظة ما لأجل الحصول مجاناً على جهاز هاتف أو شاحن أو مجموعة علب من التبغ؟
أهكذا يتحول البشر إلى قطيع متدافع، كلٌ يريد حصّته من أي منتج كان، فالمهم أنه بالمجان.
شيء ما وحشي وحيواني سافل جداً يحرّك الإنسان، ليس فقط دافع الحصول على غنيمة، وهم ليسوا من لون واحد، إنهم الأسود والأبيض وما بينهما من الطيف البشري، أمريكا نموذج البشرية من حيث التنوع.
أعجبني رجل خلع الصراف الآلي من مكانه، وسحبه، وحاول أن يصعد به إلى حافلة عامة، إلا أن سائق الحافلة أغلق الباب ومضى.
أي عقلية هذه التي تريد توظيف المواصلات العامة لعملية نهب في وضح النهار، وكأنه يتأبط حقيبة عمل!
أتخيّل الوحوش من فهود وضباع ونسور وحمير وحشية ودرافيل وأفيال، تعيش في المحميات الطبيعية كيف تنظر بدهشة إلى ما يفعله الإنسان، يا لخزينا وعارنا أمام هذه المخلوقات!
هذا نموذج آخر عن حيونة الإنسان، كيف تحوِّل الأنظمة بهيمنتها وطواغيتها الإنسان إلى جهاز من أجهزة الإنتاج والاستهلاك.
التناقض هو أن هذا الإنسان ليس في دولة فقيرة من دول العالم الثالث أو الرابع لنلتمس له العذر، بل في الدولة الأقوى والأغنى، وذات الإمكانيات الأكبر في التاريخ.
كعربي أمام هذه المشاهد، استيقظ في دمي فيروس نائم، فيروس الرغبة بالانتقام، نعم نعم، شعرت به يصحو، دار في دمي، ولكنه لم يشف صدري، لا ليس بعد، لكنه شعور تجاه الأمريكيين بالذات، ليس تجاه من طحنتهم آلة الجشع الرأسمالية فمسختهم إلى مخلوقات غريبة، بل تجاه الأمريكي الأبيض بالذات ومن يواليه.
أعتقد أن ملايين العرب تذكّروا مثلي ما فعل الأمريكيون في بغداد عام 2003 وقبلها وبعدها، كيف فتحوا للغوغاء أبواب النهب والسلب، يوم دمروا تحفاً عمرها سبعة آلاف عام.
يوم بثوا إلى العالم صور العرب وهم ينهبون ويسلبون بلدهم ويدمّرون شواهد حضارتهم برعاية جيش الاحتلال الأمريكي.
تذكّرت المجندين الأمريكيين المبتسمين مع جثث القتلى العراقيين، وصورهم وهم يمتطون الأسرى كالبهائم، أحاول أن أترفّع عن الشعور بمتعة الانتقام، ولكن الفيروس فاع في دمي، استسلمت له وصرت أستمتع، وأدعو العالم كله لأن يرى الأمريكيين وهم ينهبون بلدهم ويدمّرونه، إنهم بلا حياء يتصارعون ويتشاجرون على أمور استهلاكية تافهة، ما هذا الانحطاط أيها الأمريكيون!
لكن في الحقيقة أن ما يفعله الأمريكيون في مدنهم لا يعوّض ما فعلته أمريكا وتفعله في بلاد العرب! لأنه لا يوجد إرث ثقافي وأخلاقي أمريكي ممكن التباهي فيه، ولا تاريخ عريق، ولا توجد آثار من صنع الإنسان الأمريكي عمرها ثمانية آلاف عام.
ليست هناك حضارة عريقة تشعر بالحياء، ولا إنسان عريق يتشوّه، هذه هي أمريكا، هذا دينها، المال حتى ولو على حساب دماء غيرهم من الشعوب، ولكن ها هي النار تأكل بعضها.
إنهم من نصّبوا في رأس الهرم الأمريكي من يعتمد الخاوة والعربدة سياسة رسمية، ومن لا يستحيي من التعبير عن عنصريته، فلا غرابة أن تكون شرائح واسعة من هذا الشعب على دين الخاوة والعربدة والاستقواء والنهب والسلب.
ما يزيد المشهد هيبة ويجعله يدنو من اللحظة التاريخية، هو أن أنظمة عنصرية وعدوانية وقمعية في منطقتنا، تنظر بقلق إلى ما يجري للمعلم الكبير، الذي ظن أنه إله وعلى العالمين أن يسجدوا له، وإذ به يهرب إلى الملجأ، مما جعل تمثال الحرية يبتسم لأول مرة منذ عقود.
من مفارقات البشر والولايات المتحدة بالذات، أن نرى في الوقت ذاته بثاً مباشراً لإطلاق مركبة فضائية أمريكية مأهولة إلى الفضاء الخارجي، لنقل رواد فضاء إلى محطة مدارية دولية، ويعتبر هذا إنجازاً فضائياً كبيراً، كل احترام للإنسان عندما تتوجه طاقاته إلى الإبداع والعلم.
ننظر بإكبار إلى مئات الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية فيالمجالات كافة، ولكن للأسف، إلى جانب الخواء الروحي الفظيع.
في هذا السياق، لا ننسى أن ملايين الأمريكيين هم أخوتنا ممن هربوا أصلاً من أوطانهم، فمنحتهم أمريكا ملاذاً آمناً من ظلم ذوي القربى وبعض نسائم الحرية ليتنفسوها، وفتحت لهم نوافذ الأمل لتحقيق أحلامهم، في التقدم العلمي والاقتصادي.
جميل جداً أن يهرب الغوغائي الأكبر إلى الملجأ خوفاً من المتظاهرين، في هذه النقطة أعجبني موقف ترامب، ربما الموقف الوحيد منذ توليه السلطة، عندنا يريد الحكام من الشعب ومن العصافير ومن الكلاب وقطط الشوارع الدخول إلى الملاجئ عندما يمرّون، أو أن ينبطحوا على الأرض، وإلا فالدبابات وطلب الإسناد الدولي «لدعم الشرعية».
انتفاضة مباركة للشعب الأمريكي على العنصرية والاستغلال المتوحّش للبشر، على أمل أن لا تكون هبة عابرة، بل عساها تكون توطئة وجسراً إلى لحظات تاريخية يكون لها انعكاسها على البشرية جمعاء، وخصوصاً على منطقتنا وشعوبها.