إعلانات

«حسيبة بن بو علي» الفلسطينية… كتابة التاريخ من جديد

خميس, 10/10/2019 - 04:11

«تعلمون أنني مطلوبة كثيرا من الشرطة هنا في مدينة الجزائر فيستحيل عليّ إذن فعل أي شيء. ولذلك فقد قررت – بل هو واجبي – الذهاب إلى جبهة القتال حيث أعلم أنني أفيد كممرضة أو حتى – وهو ما أرجوه من كل قلبي – أن أقاتل والسلاح في يدي. صحيح أن الطريق سيكون وعرا للوصول إلى جبهة قتال، ولكنني آمل بعون الله بلوغ ذلك سالمة معافاة. لا تقلقوا على الأخص بشأني، ينبغي التفكير في الصغار الذين عليهم العودة قريبا إلى المدرسة، وأرجو أن يكونوا مجتهدين. لا تتصورون كم أفتقدهم، فأنا لم أرهم منذ سنة، لابدّ أنهم كبروا، وخاصة صغيري محمد، أما يزال مشاغبا كعادته؟ أهو يتحدث عني أحيانا؟ ……..أرغب في الحصول على صورهم وصوركم أيضا. سأشعر بذلك بأنني أحمل معي في قلبي أسرتي كلها. أودّ رؤيتكم قبل الرحيل، لا أدري إن كنتُ أستطيع، ولكن اعلموا أنني سأبذل وسعي، إذ حين أكون في الجبهة فلن تبلغكم أخباري إلا نادرا. ولكن ربما كان «الفرج قريبا» (بالعربية)، ونكون إن شاء الله (كذا) جميعنا مجتمعين، فإن أخذنا الموت التقينا عند ربنا. إن مُتُّ فلا تبكوني، فسأموت سعيدة، أؤكد لكم» ذلك……
كانت هذه مقتطفات من رسالة بعثتها الشهيدة حسيبة بن بو علي الى والديها ، فقد التحقت بصفوف الفدائيين وهي في سن17 ،قبل أن تستشهد رفقة إخوتها المجاهدين :علي لابوانت ،محمد بو حميدي،وعمر الصغير،بعد أن فجّرت فرقة الجنرال ماسو الأولى، البيت الذي كانت تختبئ فيه مع المجاهدين في حي القصبة العتيق في 8تشرين الاول/أكتوبر 1957م لأنهم رفضوا تسليم أنفسهم وآثروا الإستشهاد على أن يحظى المحتل بمعلومات تؤذي سير العمليات الفدائية وباقي المجاهدين.هذه الحادثة وثّقت «سينمائيا» في الفيلم العربي الوحيد الحائز على السعفة الذهبية «معركة الجزائر».
وسليلات المجد والإباء حرائر فلسطين الأبية ، الملثّمات بكوفية النخوة والكرامة ، يعدن كتابة التاريخ هذه المرة بحروف فلسطينية ، يوثّقن البطولات ويحجزن حيزا عظيما من تاريخ الأمة العربية والإسلامية على المباشر، رغم التزاحم المحموم للصورة في الإعلام ،إلتقطتهم كاميرا التلفزيونات مكرهة، فهكذا بطولات تعيد البوصلة الى مكانها الصحيح ، وتشحن الشباب المتعطش لنيل سيادته ، وهوأمر مرفوض قطعاعند أصحاب المشاريع الإعلامية «المتخصصة في إيقاظ الوجدان العربي وإحياء النخوة والظمير»، لإفتقارهم للحس الوطني والقومي و لأدنى أخلاقيات العمل المهني ، إذ تسرح وتمرح المصالح المتعفنة في دهاليزهم ، لذلك لا عجب أن تقرأ لأحدهم عن «حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها» وهو بحلة عربية» كوفية وعقال»؟ .
.أما مواقع التواصل الإجتماعي ، فقد أثبتنا أنّ مقولة عبد الله القصيمي:»العرب ظاهرة صوتية»صحيحة ولو ظاهريا، بل زدناها تطورا وتقنية الى أن أصبحت : العرب ظاهرة تويترية أو فيسبوكية،»إذا جاز الوصف»،فميدان المعركة إنتقل الى العالم الإفتراضي وما أدراك ما العالم الإفتراضي، ولم تعد قضية العرب والمسلمين الأولى تحظى بأكثر من تغريدة أو هاشتاغ…وإستعراض عضلات البطولة والفداء إنتقلت من ساحات الإشتباك المباشر بالبندقية والسكين الى ميدان لوحة المفاتيح بحروفها وإشاراتها العجيبة .
وفي ظروف أقلّ ما يقال عنها أنها لا تشبه ما عايشته حسيبة وجميلة وزهرة …..في الثورة ، رغم تطابق الروح التوّاقة للحرية، إذما تقاسيه الفلسطينيات في زمن الإنهيار أعظم وأشدّ، لم يعان المجاهدون من قهر مزدوج في حرب التحرير الجزائرية، العدو كان فرنسا بجيشها ومستوطنيها فقط، لم تكن لديهم سلطة «تنسق أمنيا»مع المحتل بكل ما تحمله الكلمة من وشاية وضرب وسحل وتعذيب ، لم تكن هناك إتفاقيات «وادي عربة وأوسلووقبلهما كامب ديفيد» تحد من أي تخطيط يفضي الى كفاح مسلح، كانت الحدود مع الأشقاء خطوط إمداد بالسلاح والدواء والمؤونة وليست ظهرا للعدو تحميه وتغرق شريان الحياة فيه بالغدر والخيانة. لذلك لم يعد بوسعهم وكل الأبواب موصدة أمامهم إلاّ حمل أرواحهم على عاتقهم والسكين ،لطعن الإستيطان والإستبداد.
زوال إسرائيل حتمية، فهي لا تمتلك مقومات البقاء والتجذّر، تقتات من صمود الورق الحارس لها الى حدّ الساعة ، وحتى يستيقظ الإخوة خلف أسوار الورق ، يعتبرالجهاد في إطار منظّم والإنزواء تحت مظلة وطنية موحّدة بعيدة عن التجاذبات السياسية التي لم تزد الصف الفلسطيني إلاّ تشرذما وتشتيتا، أمرا واجبا لابدّ منه .
أينما وجد محتل غاصب وجد نضال وكفاح في سبيل تحرير الوطن من فجوره وطغيانه ، وقد إختارشباب جبهة التحرير الوطني في الجزائر منذ أزيد من نصف قرن تاريخ الفاتح من تشرين الثاني/نوفمبر يوما مشهودا لإندلاع ثورتهم، فأي تاريخ سيعلنه الفلسطينيون لبدء شرارة الثورة التحريرية الكبرى؟ تاريخ عودة المهجّرين ليافا والقدس وبيت لحم وكل تراب فلسطين الطّاهر؟

منى مقراني-الجزائر