إعلانات

مفتاح النجاح التأني والصبر والحكمة / د. عبد الله السيد

سبت, 17/08/2019 - 17:10

د. عبد الله السيد (*)

"يحكى أن الخليفة العباسي المأمون صادفه يوما رجل يكتب على جدار قصر فأمر بمعرفة ما كتب وإحضاره؛ فإذا هو قد كتب:
يا قصر جمع فيك الشؤم واللوم ..
                          متى تُعشش في أركانك البُومُ
يوماً يعشش فيك البوم من فرحي ..
                             أكون أول من ينعاك مرغوم
 فقال المأمون للرجل: ما حملك على هذا؟. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنه لا يخفى عليك ما حواه قصرك من خزائن الأموال والحُلي... مما يقصر عنه وصفي، ويعجز عنه فهمي، وإني قد مررت عليه الآن وأنا في غايةٍ من الجوعِ والفاقة فقلت في نفسي لو كان هذا القصر خرابا  لم أعدم رخامةأو خشبةً أو مسماراً أبيعه وأتقوت بثمنه. أو ما علم أمير المؤمنين رعاه الله قول الشاعر :
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ ..
                            نصيب ولا حظٌ تمنى زوالها
وما ذاك من بُغضٍ له غير أنه ..
                        يرجى سِواها فهو يهوى انتقالها
فقال المأمون لخازنه:  أعطه ألف درهم. ثم قال للرجل: هي لك في كل سنةٍ ما دام قصرنا عامرا بأهله مسروراً بدولته"
أسوق هذه القصة الطويلة نسبيا لأقول إن تسيير الدول يختلف عن تسيير البيوت الفردية؛ فلا بد له من الحكمة والتأني والصبر...
وبتلك المؤهلات يجد الحاكم ضرورة لمداراة هذا لئلا يفسد، وتأليف قلب ذاك ليؤمن شره، ويزداد إيمانه بالوطن، والحزم والصرامة مع أولئك، وقطع رؤوس لم ير سبيلا لإصلاح أصحابها.
ولا شك أن الحاكم، وهو في هذه المعاناة المستمرة، سينقم منه الأصدقاء والمقربون، فقد تراه الأغلبية ظهيرا للمعارضة، ويجده الساسة المحنكون معتمدا على الفنيين التكنوقراط، بعد إن وصل السلطة بدهائهم وخبرتهم، وتحسبه المعارضة استمرارا لماض كانت تتمنى زواله لعدم حظوتها فيه... ولن يجد، مع كل أولئك، أفضل من التأني والصبر والحكمة.

 

(*) مثقف وأكاديمي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط