إعلانات

الدهماء ريم تؤبن ولد احمياده

خميس, 07/03/2019 - 17:18

نُكِّست احدى رايات العقل الراجح، والقلب الطافح طيبة... 
صعدت قبل ساعات إلى بارئها روح جُبلت على حبِّ العلم، وفُطرت على كرم الخُلق، ولازمها حسن سِيرَة يخبئُ  طيب سَرِيرَة. 

أخي الغالي، وصديقي الصَّادق الصَّدوق، محمد ولد احميادة، في ذمَّة الله،.. وبذلك طُويت قبل أوانِها مسيرة لم تكن طويلة بمقياس الزمن، لكنها كانت جدّ عريضة بمعيار العطاء،   

كانت لي معرفة لصيقة بالفقيد ردحًا من الزَّمن، تعلمتُ منه، وتعلمتُ عليه، وهو من الذين تَأنس الرُّوح لمعرفتهم، جَبَل معرفة وبحر أخلاق، ومن القلائل الذين منحهم الله القدرة على التمييز بين جوهر الحياة وقشورها. فقد أخلص محمد لما تكفَّل به من علم اجتماعٍ تعشَّقه، ومن بحث أكاديمي جادٍّ قدَّم له الوقت قربانا..

اكتَشفَ محمد أنه مريض بالسرطان منذ ثلاثة أشهر فقط، وأنه في مراحله النهائية،.. لم يجزع، وهو يعرف أنَّ مناديَّ الموت عند الباب يدعو للإياب.. عُدْته قبل أسابيع مع أختي السيده اجيرب،  لم يكن شاكيَّا ولا مُتَبَرِّمًا، كان مُسلِّمًا بالقضاء، راضيا بما قسم الله عز وجل، يمازح بذكاء لسانه الاجتماعي المعهود، ويتحدث  باستهزاء عن مرضه، كما لو كان المريض غيره،.. كان وكُنَّا نُدرك أنَّه في الهزيع الأخير من حياته،  لكنه الإيمان.. فهو مُؤْمن عَقْلٍ، مُؤمنٌ بعدل حكم الواحد الأحد. 

 سيظل عالم الاجتماع المتبحر "ولد احميادة"  حيّ الأموات بيننا، برصيد أبحاثه وطيب ذكره، وبما أنار من عقول،.. لكن إلى متى سنظل نتقبَّل بيننا الكثير من أمْوات الأحياء، أمْوات الضَّمائر، لصوص من فئة القتلة عمْدًا، ينهبون أعمارنا برضانا، وهم من يستحق التَّعجل للموت،..
 يشنُّون علينا حربا هادئة سلاحها المُسرطنات، .. إنهم أثرياء وتجار الموت، يغرقون السُّوق بالأغذية الفاسدة، والأدوية المغشوشة، بالعصائر الكيميائية، بالشّاي المُلوَّث، بحلويات الأصباغ للأطفال، بمواد التجميل المُسَمِّمة.. يَسْقون المزارع بالمبيدات المحظورة من النعناع للخضروات، يحقنون الإبل صباحا ويبيعون لبنها مساء، كلّ ما نستخدم وما يحيط بنا في هذا البلد مُسَرْطِنٌ وقاتل، قاتل!.. كل الذين توفوا في الآونة الأخيرة ممَّن أعرفهم، كان السَّرطان قاتلهم، ولم يمنحهم حتى فرصة الاستطباب... هذا أقرب لمجزرة صامتة، تنتفخ منها جيوب قتلة مهوسين، يدفع المواطن روحه وتدفع الدولة المليارات في استطباب عبثي.

 لا حول ولا قوة إلا بالله.
   
توجعنا المصائب ويجبرنا لطف الله، ولا نقول إلاَّ، إنا لله وإنا إليه راجعون،..  قبول وتسليم،.... هي فقط وخزة الحزن.

أشاطر زوجته الكريمة وأسرته الجليلة وتلاميذه مشاعر الفقد، وأدعو الله - جَلَّ في علاه- أن يربط على قلوبهم بالصبر والسلوان، ويجزيهم الثواب، ويتغمَّد أخي وصديقي برحمته الواسعة.. اللهم آمين.