إعلانات

الدين وحواضن الإرهاب / السيد ولد أباه

اثنين, 23/07/2018 - 04:01

اختتم موسم أصيلة في دورته الأربعين التي التأمت مؤخراً ندواتِه بلقاء فكري مهم حول موضوع «الفكر الديني الحاضن للإرهاب»، شارك فيه عدد مهم من أبرز الكتاب والسياسيين والمثقفين العرب تنادوا لنقاش إحدى أخطر المعضلات التي تعاني منها راهناً المجتمعات المسلمة.

وكما أكد الوزير محمد بن عيسى، المشرف على الموسم وعلى جامعته الصيفية، لم يعد من الممكن السكوت على ما يجري في العالم الإسلامي من فتن دامية وعنف راديكالي ومدمر، ولذا توجبت معالجة الموضوع بكامل الجدية والرصانة بدل الآراء السائدة والأحكام المسبقة الشائعة، وهو ما تم فعلا في الندوة المذكورة.

لقد بدا لي أن الإسلام أصبح بالفعل مشكلا للعالم، فاستطلاعات الرأي المنشورة تفيد بجلاء أن صورة الإسلام والمسلمين أصبحت سلبية في كل أنحاء الأرض، وتتلخص إجمالاً في نموذج الإرهابي المجرم الذي يستهدف المدنيين العزل ويحارب الحياة والمدنية.

ولم يعد من المستهجن ولا الغريب نعت الإرهاب بالإسلامي في الخطاب السياسي للزعامات الغربية، بعد أن كان الاتجاه هو استخدام عبارات، مثل الأصولية، والتطرف العنيف، والتشدد الراديكالي، إلى حد أن شخصية سياسية معتدلة هي وزير الخارجية الفرنسي الأسبق «هربت فيدرين» لم يتردد في كتابه الأخير «العد التنازلي» في القول بأن نفي علاقة الإسلام من حيث هو دين بالعنف المستخدم باسمه لم يعد من الممكن الدفاع عنه.

المفارقة البادية للعيان هي أنه في الوقت الذي تتصاعد فيه موجة العداء للإسلام والخوف منه يتراجع بصفة خطيرة الخطاب العلمي حوله الذي شكل خلال قرنين مادة للمبحث الذي عرف بالاستشراق. وإذا كان الاستشراق الكلاسيكي قد ارتبط بالأهداف الاستعمارية وبالنزعة السلطوية المعرفية التي صاغت من خلال آليات التصنيف والضبط والتصور، شرقاً، متخيلاً هو الوجه الآخر المنفي للهوية الغربية المركزية (أطروحة إدوارد سعيد)، فإن الخطاب الجديد حول الإسلام لا يستند لرصيد معرفي حقيقي، وإنما هو من إنتاج الإعلام السيار الذي يتغذى من جرائم الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تنتج بدورها خطابها الديني خارج ضوابط ومعايير التقليد الإسلامي.

ولا يغني في هذا الباب النقاش الفكري مع الطرفين «الراديكالية المتشددة والإسلاموفوبيا العالمية» فالمادة المعرفية في الحالتين هي مجرد صورة متخيلة وأهواء وانفعالات متقاسمة عبر المجال الافتراضي الكوني المفتوح.

الإرهابي الجديد، وإن استند إلى أدبيات عقدية ودينية إسلامية، فهو في الواقع خارج السردية الإسلامية الكلاسيكية بما فيها هوامشها الشاذة، إنه نتاج حداثة مريضة وهوية دينية أعيد اختراعها وفق خلفيات ومحددات راهنة، ومن هنا لا وجه لربطه بالنص الديني أو بالأدبيات التراثية، كما يتوهم الخطاب الإسلاموفوبي الجديد.

لقد دعوت مؤخراً إلى ضرورة استبدال مقولة الإسلاموفوبيا بعبارة بديلة هي المسلموفوبيا، باعتبار أن ما يجري حالياً ليس نقد الدين الإسلامي في معتقداته وأحكامه، وإنما استهداف المكونات المسلمة من مواطنين ومهاجرين في المجتمعات الغربية التي تعيش مصاعب التنوع الديني والثقافي في مرحلة تراجع القدرات الإدماجية للدولة الوطنية المركزية.

ليس نقد الإسلام لاهوتياً وفكرياً بالجديد في الغرب، فالتقليد الاستشراقي العريق يمتد لقرنين وقد سبقته قرون طويلة من الجدل الإسلامي المسيحي في العصور الوسيطة، وإن ما حدث راهناً، هو أمران متلازمان: صعود إرهاب عدمي غير مسبوق ينتسب للإسلام، وتنامي نزعة عنصرية واسعة ضد المسلمين لا من حيث دينهم، بل من حيث الصورة السلبية التي تولدها الجماعات الراديكالية الشاذة التي عاثت فساداً في بلاد الإسلام نفسها أكثر من غيرها.

وكما أن النزعة العدائية للسامية التي هي جريمة تعاقب عليها القوانين الدولية، تختلف عن حق نقد الدين اليهودي في مجتمعات تضمن حقوق التفكير الحر، فإن المطلوب اليوم هو الكشف عن المواقف والمسالك العنصرية التي تستهدف المسلمين بذريعة نقد الدين الإسلامي، في حين أن المقصود هنا هو المسلم في صورة المهاجر واللاجئ والمواطن الفقير الذي يعيش في غيتوهات الضواحي المعزولة.

ما لا يمكن قبوله هو اختزال الإسلام في تحريفاته الأيديولوجية والسياسية الراديكالية، والاستناد إلى هذه الصورة المحرَّفة الشاذة في المواقف والعنصرية ضد المسلمين الذين هم في غالبيتهم المطلقة مندمجون في مجتمعاتهم، مواطنين ومهاجرين، حتى لو كان من البديهي أنه على المسلمين أن يتحملوا قسطهم في مواجهة هذا الإرهاب العدمي الذي هم أول ضحاياه في أمنهم الديني والاجتماعي.