إعلانات

د عبد السلام ولد حرمه يكتب عن ذكرى استشهاد صدام حسين : "المنعطف"

جمعة, 29/12/2017 - 23:32

عبد السلام ولد حرمة (*)

 

في تفاصيل الثواني الأخيرة من محطات رحلته الكفاحية التي تحل ذكراها الحادية عشر فجر يوم غد، تكونتْ بكثافة مطردة في وجدان شباب الأمة أسسُ الوعي المعاصر لافتضاض أمواج التضحية والفداء والافتتان بقيم البطولة والشهادة والثبات على المبادئ والقيم المشرعات ابوابها نحو الخلود.
في حياته ظل منذورًا للتضحية، منذ التحاقه بخطه النضالي، ظل مجاهدا وماردا كفاحيا نذر دماءه ودماء شعبه لكل معارك الذود عن الكرامة، وقف بجيش العراق وعلمائه وخيراته الوفيرة بين كل خصوم الأمة ليحارب خصوم الأمة، مُسرجًا خيوله غُرّدا صواهلُها نحو جموعهم حاملة رايات النخوة والإباء..استجاب على الدوام لنداءات ثغور الأمة من حضرموت حتى نهر السينغال.. حشَرَ قامته الفارعة في شِدْق الموت القادم من تخوم أعدائها ألف مرة ومرة، وأبى المرور من كل المداخل الصغرى مهما امْحَلت المَواسم وراشت السهام، لم يقبل يوما لصواريه ولجج الموج يكسرها أن تشتكي لغير الله ضَعْفا، أو أن تتحول إلى تائه في مهب الريح، ظل يُلح أن تكون عاصفة صمود وعاصفة نضال ينحاش عن غيظهما مسرى هوج الحقد وأعاصير الفقر الحضاري واللؤم والتشفي التي هبت رياحهم الصفراء الجائحة على بلاده من كل صوب.. حين كَبَتْ بغداد وهوت للمرة الثانية، بقي رابضا في عرينه.. وحين وقع في الاسر ظلت سجون المحتلين وأقفاص محاكماتهم الانتقامية أضيق من أن تحتويه، ظل يفيض منها جسدا وروحا، في بهاءٍ وجمالٍ وحسنٍ وإشراقٍ ونضارةٍ، وصفاء نفس، وجلال مُحَيّا، حتى سار في عنفوان ذلك الغسق مهيبا يحمل في رسغيه وكاحليه طوق حديد كأنه سوار من ذهب يحيط كامل جسده.. مشهدٌ لاحت كل جزئية من جزئياته غاية الغاية في بابها.. وكما استمرت فلسطين كل فلسطين السليبة جرحه الأول وهو في ذرى الأوجاع بعد العدوان الثلاثيني 1991 لم تتغير رؤيته لها ولم تخضع لقواعد العمل السياسي التقليدي التي تستدعي أحيانا تغلب أولوية مبدأ على مبدأ آخر.. في عنفوان ذلك الغسق ردد بجهارةِ صوتٍ اسم فلسطين وفي الثواني القليلة الفاصلة لذلك العبور بين الحياة والموت، ردده كما ردده وهامَ به أيام العز والجاه والثراء داخل قاعات ومؤتمرات حزبه الرسالي، وعلى منابر اجتماعات قمم أمته من عمان حتى الدار البيضاء.. ردّدهُ بوجه مُشرقٍ ومُهجةٍ ثائرة وببعد في الصمود لا يدانى، تَبادَلَ عدواهُ مع جميع رفاقه في المحنة الذين ذهبوا بعده بنفس القامة والمعدن الصافي إلى منصات الإعدام والاستشهاد في وقت لم يكن بينهم وبين العيش الراغد داخل العراق المحتل أو خارجه سوى كلمة نذالة أو موقف خزي، لكن ما برحت أيامهم مثل أمْسِها تداول الصمود وتضاحك البطولة وتُردد في آذان أجيال الأمة قول شاعر القادسية وأم المعارك:
والآن ها نحن، أنهارُ الدِّماءِ بنا***تَجري على الأرض طوفانًا ولمْ نَبِدِ
قاماتُنا هذهِ.. هذي مروءَتُنا *** تزهو.. ومهما يزيدوا حِقدهُم نَزِدِ
رحم الله الشهيد ورفاقه فقد رحلوا إلى المجد تَخْفَقُ بأرواحهم رايات المجد، بعيدا من مواطن الذل والصغار بُعد مشارق الأرض من مغاربها .

* قيادي سياسي ومثقف موريتاني شهير.